آياتُ الْجَنوب

بقلم: النائب الأستاذ علي بزي

أُلقيت في مهرجان بنت جبيل الثقافي الأول

التي نظمته هيئة بنت جبيل الخيرية الثقافية "هبة"

في مدينة بنت جبيل _ بتاريخ 11/11/2006 م.

 

            أكتُبْ.. أكتب..

باسم بنت جبيل وعيترونَ ومارونَ الرّاسِ..

 

أُكْتُبْ..

بِاسْمِ صَيْدا وَصورَ وَبَعْلَبَكَّ وَسَهْلِ الْخيامِ..

باسْمِ الْقُرى الْمُقَدَّسَة

مِنْ بَيادِرِ النُّعاسْ

حَتّى حُدودِ الْيَباسِ

 

أُكْتُبْ..

بِاسْمِ الْحُبِّ الْمُتَأَصِّلِ فينا

وَأَشْلاءِ مَوْتانا

تَذْبَحُهُمْ كُلُّ السَّكاكينْ

أَنا يا أُسْتاذي

عاشِقٌ وَحيدْ

تَبِعاتُ الْهَوى عَلى كَتِفَيَّ تُلْقى..

أَنا يا أُسْتاذي تَعَلَّمْتُ مِنْكَ

مُنْذُ الأَزْمِنَةِ الأولى

مُنْذُ الصَّرْخَةِ الأولى

أَنْ أَكونَ

الْكَفَنَ.. الْوَطَنَ.. وَالطَّلْقة..

 

أُكْتُبْ

بِاسْمِ الأبْجَرِ وَطَرْوادة

أَحَقّاً كانتْ لَنا قَرْطاجة؟

وَحُقولُ الْبُنِّ في الْبَرازيلِ

وَالْقَصْرُ الأَحْمَرُ في غَرْناطَة

 

أُكْتُبْ

بِاسْمِ سَعَفِ النَّخيلْ

وَعُلَبِ اللَّيْلْ

وَنِساءِ السَّلاطينْ

مِنَ النَّهْرَيْنِ إِلى النَّهْرَيْنْ

بِالْقَهْوَةِ الْمُرَّة

وَخَمْرِ الجَرّةْ

قانا مُعْجِزَةٌ

غَزَّةُ مَجْزَرَةٌ

مُعْجِزَةٌ ..مَجْزَرَةٌ

نقْشَةٌ أَمْ طُرّة؟

 

أُكْتُبْ..
أحَقّاً كانَتْ لَنا فِلَسْطينْ؟

وَحَيْفا.. وَيافا؟؟

وَكانَتِ الْجَوْلانُ لَنا

وَلُبْنانُ وَقَبْلُ طابا

وَكانَتْ لَنا مِياهُ النّيلْ

وَشَمْسُ الأَصيلْ

وَفَراقِدُ السَّماءْ

وَأَبْوابُ الْحَضارة

 

أَحَقّاً كانَتْ لَنا مِمالِكُ القَياصِرَةْ

وَالسَّيْفُ وَالْقِرْطاسُ وَالْقَلَمْ

وَأَرْزُ الرَّبِّ، وَقاعُ الْبَحْرِ

وَقَوافِلُ التُّجّارِ وَالتِّجارة؟

أَحَقّاً كُنّا نُقْسِمُ بِالشَّرَفِ وَالْعِرْضْ

وَنَفْتِلُ الشّارِبَ بِالطّولِ وَالْعَرْضْ

مِنْ أَرْضِ الرّومِ حَتّى بِلادِ الْكِنانة؟

أَحَقّاً كُنّا نُؤدّي الحَجَّ وَنَدْفَعُ الْخُمْسَ وَالزَّكاةْ

وَنَشْرَبُ ماءَ زَمْزَمَ

وَنَرْجُمُ الشَّيْطانْ؟

أَحَقّاً كانوا مِنّا الْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَة

وَابْنُ الْوَليدْ..

وَابْنُ الشَّهيدْ

وَمَيْسَلونُ وَالْعَظْمة

 

وَكانَتْ لَنا التّوابِلْ

وَالْبَلابِلْ

وَحَدائِقُ الْكَوْنِ

وَالْجِزْيَة

وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ

وَساحاتُ الْوَغى وَالصَّحابة

 

أَحَقّاً كانَ مِنّا صَلاحُ الدّينْ

فاتِحُ الْقُدْسِ مِنْ بابِ حِطّينْ

وَالأَخْضَرُ الْعَرَبِيُّ في الْعُرْقوبْ

كانَ قَبْلَ صَلاتِهْ

يَتَوَضَّأُ بِتُرابِ الْجَنوبْ

وَيَقْرَأُ سورَةَ يس؟

وَبِدَمِهِ الطُفولِيِّ

مَزَّقَ الدُّرَّةُ سَتائِرَ الْخَوْفِ وَالْوَجَعْ

وَاحْتَلَّ مَساحَةَ الأَبَدِ في فِلَسْطينْ

 

أَنا مِنْ بِلالْ

مِنَ الْقاماتِ الْمُنْتَشِرَةِ في الْوُدْيانِ وَالتِّلالْ

أَنا مِنْ سَناءْ

مِنَ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ في كَفَنِ هادي

مِنْ عَريس ِ الْجَنوبْ

مِنْ قَمَرِ الْجَنوبْ

مِنْ أَميرِ الْبَحْرِ وَفَتى الْبَرِّ

وَالأَزْرَقِ مِنْ لَوْنِ السَّماءْ

أَنا مِنْ هذا وَمِنْ ذاكَ الشَّهيدْ

الأَصْفى مِنْ لَوْنِ الْماءْ

 

أَنا مَجْبولٌ بِتُرابٍ مِنْ أَبَدْ

أَسْقي مَوْجَ الْبَحْرِ رَمْلي

وَأَفْرُشُ أَطْفالي دَماً

كَيْ يَنْمُوَ لأَطْفالِكُمْ جَسَدْ

...

أَنا عاشِق وَحيدْ

أَنا عاشِقٌ وَحيدْ

شَمَمْتُ الْجُرْحَ..التَّعَبَ..النَّصْرْ..

وَكانَ أَبي..

وَشَمَمْتُ رائِحَةَ الْفَرَحِ وَالنَّعْناعَ وَالزَّعْتَرْ

وَكانَتْ أُمّي

فَبانَ بَيْنَ كَفَّيَّ وَجْهُ النَّبي

وَالْمَلائِكَةُ مِنْ حَوْلي فَرِحونْ

يَسْتَلْقونَ تارَةً عَلى كَتِفي

وَتارَةً يَمْسَحونَ تَعَبي

هذا وَطَني

عَتَبي عَلى عَرَبٍ أَحَبّوهُ كَثيراً

لكِنَّهُ وَطَني..

 

                                  علي بزّي